السبت، يناير 21، 2012

حوار مع الباحث السيكلوجي الدكتور صلاح كرميان حول المثلية الجنسية


محمد شفيق
الحوار المتمدن - العدد: 2776 - 2009 / 9 / 21 - 23:21
المحور: حقوق مثليي الجنس
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع



يجدر قبل الشروع في الاجابة على الاسئلة المتعلقة بالمثلية الجنسية Homosexuality، ان أشير الى حقيقة مفادها ان المثلية الجنسية لاتزال تعد ظاهرة مقززة ومقرفة وان مجرد تناولها لربما تثير الاشمئزاز لدى الكثيرين، ويعد الحديث عنها بمثابة التابو. ولكن يجب أن لا يغيب عن بالنا ان اهمال حقيقة وجودها كظاهرة وتركها بعيدة عن اضواء البحث والدراسة، لا تساهم بأي شكل من الاشكال في اطفاء مشاعر وميول المثليين أو في وضع حد لها. وانني اذ اتفهم تلك النوازع والدوافع المتوارثة التي تمتد جذورها الى قرون والتي تحيل دون الالتفات الى موضوع كهذا، تهم كل واحد منا ما دمنا نعيش في مجتمع يشاركنا فيه افراد مثليون Gays شئنا أم ابينا. كما وأرى بانه من المفيد إعطاء لمحة عامة عن الموضوع مع القاء نظرة تاريخية عليها، حيث وفي الاونة الاخيرة تركزت الكثير من الدراسات والابحاث والكتابات التخصصية على تناوله، ولم يعد ظاهرة معيبة أو وصمة أو محل ازدراء المجتمع في كثير من البلدان الغربية وحتى في بعض بلدان الدول النامية، مقارنة بما كانت النظرة اليها في السابق. واصبح الاهتمام به يتزايد في كثير من دول العالم واجيزت تأسيس نواد ومنظمات خاصة بالمثليين من الجنسين وتصرح لهم باقامة مؤتمرات ومهرجانات سنوية في بعض المدن الكبرى في أوربا وامريكا وأستراليا.

فالمثلية الجنسية ظاهرة قديمة قدم وجود الانسان وتنتشر بين الذكور والاناث. وكانت منتشرة في جميع الحضارات التي سادت في بلاد الرافدين ووادي النيل والصين وبلاد الهند والاغريق، وتباينت النظرة اليها في تلك الحضارات والمجتمعات المختلفة. لكنها و بصورة عامة كانت ظاهرة مدانة وعلى وجه الخصوص من الديانات الثلاثة الاسلام والمسيحية واليهودية، وكان يعتبر الانسان المثلي في مجتمعاتنا ولايزال منبوذاً ومحل الازدراء والسخرية ولا يرحب بمشاركته في المناسبات الاجتماعية ولايؤخذ بأراءه من قبل المجتمع، حيث يعتبر انساناً غير طبيعياً وشاذاً او منحرفاً. ونتيجة لتلك النظرة والمعاملة القاسية للمثليين، يخفي الكثيرين منهم حقيقة كونهم مثليين، مضطرين الى الانصياع للتقاليد والاعراف السائدة، كالعلاقة الزوجية مع الجنس الاخر والتظاهر خلافاً لمشاعرهم وطبيعتهم الجنسية. وقد تعرض المثليون الى شتى أنواع اساليب القسوة والعنف في كثير من البلدان بما فيها الابادة الجماعية مثلما تعرض لها المثليون في المانيا والدول التي وقعت تحت سيطرة الحزب النازي اثناء الحرب العالمية الثانية، حيث شملتهم مذابح هولوكوست الى جانب اليهود والغجر والشيوعيون. وحتى في ايامنا هذه فان هناك دول تحكم بالموت على ممارسي المثلية الجنسية كالسعودية وايران.

وفي العراق، هناك تسميات والقاب معروفة لدى عامة الناس تطلق على المثلي أو من يشتبه به، حيث يطلق على كل الشخص يلاطف شاباً وسيماً لربما من غير قصد أو سوء نية بـالـ (فرخجي) أي المثلي (الفاعل). أو الذي يظهر عليه بعض الصفات الانوثة بالـ (مخنث) وعلى المثلي المفعول به بالـ (فرخ) اذا كان شاباً أو بالـ "دودكي" على من هم اكبر سناً، كما وتطلق على المرأة المشاكسة والمتحدية لبعض القيود الاجتماعية بالـ (السحاقية) Lesbian. فظاهرة إطلاق التسميات Labeling كانت ولاتزال من الظواهر الشائعة، يستند اطلاقها عادة على نوعية السلوك والمظاهر الخارجية للافراد، والهدف منها في الغالب النبذ والازدراء والحط من شأن هؤلاء الاشخاص. ناهيك عن ان اكتشاف حقيقة الامر واشهار الشخص المثلي لدى المجتمع وافراد عائلته، كان بمثابة وصمة عار، وغالباً كان ينجم عنها حوادث مؤسفة تذهب ضحيتها الكثير من المثليين جنسياً. لذلك يصعب تحديد نسبتهم بصورة دقيقة، لكن بعض التقديرات حول نسبة الذين مارسوا المثلية الجنسية ولو لمرة واحدة في حياتهم يشير الى مابين 10% في العالم. بينما يرى بعض المصادر الاخرى بأن هذه النسبة مبالغ فيها ويروج لها دعاة حرية المثليين ومنظماتهم، وترى تلك المصادر بأن النسبة هي دون 5% وان نسبة المثليين الحقيقيين لاتتجاوز 2%.



س / كيف تنشأ المثلية عند الانسان ؟ وماهو تاثيره على الانسان من الناحية الصحية والنفسية

أرى ان السؤال عن كيفية نشؤ المثلية هو بحد ذاته حكم مسبق بكون المثلية حالة لها مسبباتها وعلى انها اضطراب سلوكي يتوجب تفسيراً لكيفية نشؤءه. بينما المثلية ليست بحالة مرضية أو نفسية كما توصلت اليها الدراسات والابحاث العلمية الحديثة، وان الشخص المثلي ليس بحاجة الى مساعدة أو علاج من قبل الاخصائيين والاطباء النفسانيين الا في حالات تعرضهم الى الاعراض الانفعالية كالقلق والاكتئاب التي ربما تظهر لدى المثليين من جراء نظرة المجتمع لهم. المثلية الجنسية كانت فيما سبق تعد مرضاً نفسياُ أو ترتبط بالاضطرابات النفسية. الا انه وفي أواخر السبعينات من القرن الماضي، ومن خلال مشروع بحث دام اربعة سنوات قام به مجموعة مؤلفة من 31 عالماً نفسياً (بضمنهم بعص المثليين)، اثبتوا بأن ليست هناك دلالة على ارتباط المثلية الجنسية بالمشاكل النفسية وتوصلوا الى أن اكثر المثليين لا يظهرون سلوكاً شاذاً او غريباً ولا يبدو عليهم صفات الرزيلة والانحطاط الاجتماعي، بل يتشابهون بنسبة كبيرة مع عامة الناس من غير المثليين. وقد كتب سيجموند فرويد رائد مدرسة التحليل النفسي بهذا الصدد يقول: " من المؤكد بان المثلية ليست ميزة، لكنها ليست بحالة تدعو الى الخجل أو تتسم بالرزيلة، ولا يمكن تصنيفها ضمن الامراض، ونحن نعتبرها اختلاف في الوظيفة الجنسية تحدث من جراء كبح النمو الجنسي. وان الكثير من العظماء في العصر القديم والعصر الحديث كانوا مثليين جنسياً من ضمنهم (افلاطون، مايكل انجلو، ليوناردو دافنشي وغيرهم). وبالاضافة الى هؤلاء العظماء الذين أشار اليهم فرويد فكان كل من الأديب الإنكليزي أوسكار وايلد والأديب الفرنسي مارسيل بروست والشاعر الفرنسي آرتور رامبو الشاعر الإسباني فيديركو لوركا، والموسيقي الروسي تشايكوفسكي والمطرب الانكَليزي ألتن جون من المثليين جنسياً.



و بهذا الصدد يجدر البحث في التأثيرات والعوامل التي تؤدي الى تفضيل الجنس المماثل على الجنس المغاير والذي يقرر السلوك الجنسي للفرد، حيث تكرس الكثير من الابحاث للوصول الى تحديد تلك العوامل، والتي يعتقد بأنها تشمل على عوامل فسيولوجية وسايكولوجية والبيئية الاجتماعية. فالعوامل الفسيولوجية قد تتعلق بتركيب المخ أو الهورمونات، بينما العوامل السيكولوجية والاجتماعية لم يتم التعرف عليها بوضوح رغم اجراء العديد من الابحاث بشأنها. ولكن بعض الدراسات النفسية ترجع المثلية الجنسية الى اسباب في العقل اللاواعي للانسان ومن تلك الاسباب:



:: التعامل القاسي للطفل من قبل الوالدين، مما يؤدي بالطفل الى البحث عن العاطفة التي يفتقد اليها عند من يوفرها له من الاصدقاء بالنسبة للذكر أو الصديقات بالنسبة للاناث.



:: تعرض الطفل الى الاعتداء الجنسي، وهذه الحالة قد تؤدي الى الانطواء لدى الطفل أو التوحد مع الشخص المعتدي وينجذب الى معاشرته. وتؤكد دراسات أخرى ارتباط الميول الجنسية بالتجربة الاولى. أما بالنسبة للبنات فالحالة تختلف، فعند تعرض الفتاة للاغتصاب، فان حالة من الرعب التي تنشأ لديها قد تتولد لديها الكراهية نحو الرجال.



:: قد يجد البعض في ممارسة المثلية الجنسية ، اللذة التي يفتقدها ولا تشبع رغباتها لدى الجنس المغاير.



:: حالة الكبت الناجمة من عدم السماح باختلاط الجنسين في المجتمعات القبلية المحافظة، حيث يلاحظ انتشار ظاهرة المثلية الجنسية بصورة كبيرة رغم نبذها ظاهرياً ومحاربة المثليين بشتى الاساليب.



س / هل هي حالة مرضية ام حالة اعتيادية عند الانسان

تختلف الاراء والتفسيرات حول المثلية الجنسية وطبيعتها، وكثيرا ما تتداخل وتتضارب تلك التفسيرات طبقاً للاتجاهات والمنطلقلت النظرية للباحثين الذين يتناولنها، ونتيجة اختلاف الدوافع الخاصة للمثليين والظروف التي تتأثر بها الحالات المختلفة للمثلية الجنسية ودرجاتها. تستند بعض التفسيرات على افتراضات فسيولوجية وحصول التغييرات في الهورمونات، والبعض الاخر تنطلق في تفسيره من منطلق سيكولوجي أو اجتماعي كما سبقت الاشارة اليها. عدت المثلية الجنسية في السابق من الاضطرابات النفسية من قبل جمعية علم النفس الامريكية APA ، ولكن الجمعية ومنذ عام 1973 اخرجت المثلية الجنسية من الدليل التشخيصي والاحصائي للاضطرابات العقلية (DSMIVR) ودعت مؤخراً الممارسين النفسيين الى عدم القيام بتقديم العلاج النفسي الى المثليين الذين يرغبون في تغيير اتجاهاتهم الجنسية وذلك لعدم وجود أية جدوى في ذلك.

انه من المؤكد ان الفرد لايختار أن يكون مثلياً بمحض ارداته، ولكن هذا لايعني ان الشخص المثلي خلق لكي يصبح هكذا طوال حياته نتيجة تكوينه البايولوجي. وتنتشر المثلية الجنسية بنسبة كبيرة جداً في المجتمعات المحافظة التي تحكمها العادات والتقاليد الدينية والاجتماعية المتوارثة والتي تفرض قيوداً صارمة على اختلاط الجنسين وتعتبر الجنس من المحرمات. وكذلك هو الحال في معسكرات الجنود وطواقم السفن الحربية والتجارية والسجون والاقسام الداخلية للطلاب والطالبات التي لاوجود فيها لاختلاط الجنسين. ويفسر هذا بأن البيئةالاجتماعية والظروف التي تتحكم بالعلاقات الاجتماعية بين الافراد وأشكال القيود التي تفرضها، لابد وان تضع تاثيراتها على سلوك واتجاهات الافراد.

كما ان الميول المثلية الجنسية تختلف حسب حالاتها وانواعها. ففي حالة المثلي السلبي (المفعول به) فالسبب يرجع الى تغييرات في هورمونات الذكورة. بينما تختلف الحالة لدى المثلي الايجابي (الفاعل)، فانه لاوجود لمثل هذه التغييرات في الهورمون لديه، بل اكثر ما يكون سببه نفسياً يرجع الى الخبرات الجنسية في مرحلة الطفولة أو المراهقة.

اثبتت التجارب والابحاث التي اجريت على بعض الحيوانات والطيور والحشرات، انتشار ظاهرة المثلية الجنسية بين الكثير من تلك الكائنات الحية. و اثبت علميا أن ظاهرة المثلية منتشرة لدى حوالي 1500 نوعا من الحيوانات بضمنها 500 نوع تناولتها ابحاث الدراسات العليا. وفي سنة 2006 اقام متحف التاريخ الطبيعي في اوسلو معرضاً للوثائق التي تؤكد السلوك الجنسي المثلي لدى الزرافة، البطريق، الببغاء، الخنفساء، الحوت، وأعداد أخرى من الكائنات الحية. واستنتج المتحف من خلال ذلك بأنه لايمكن النظر الى المثلية الجنسية لدى الانسان بانها حالة غير طبيعية. كما واكدت ابحاث علمية اجريت من قبل علماء البايولوجي وجود الظاهرة لدى الاغنام والضفادع والبجع الاسترالي وقرود الشامبانزي.



انه لمن المهم أن نمييز بين المثلية الجنسية كسلوك وبين الميول والتوجهات المثلية. فالمثلية الجنسية لاتتعلق فقط بالممارسة الجنسية مع الجنس المماثل، حيث ان الكثيرين منهم لديهم الميول المثلية دون أن يقوموا بممارسات مثلية، فيما هناك أفراد آخرين بعكس هؤلاء. بينما يوجد افراد آخرين لديهم ميولأ جنسياً للجنس المغاير ويرتبطون بعلاقات الزواج ولديهم اولاد وفي نفس الوقت لديهم ميولاً جنسية مثلية.

فالمثلية كظاهرة سلوكية، شائعة بدرجاتها المختلفة بين الاطفال والمراهقيين عامة ضمن أدوار النمو في مسيرة حياتهم الجنسية والنفسية. وتتلاشي تلك الرغبة لديهم بعد فترة المراهقة ويدخلون في الارتباط والعلاقة الزوجية مع الجنس المغاير. ويقول هاري نوكس Harry Knox احد اعضاء مجلس مستشاري الرئيس الامريكي أوباما والمدافع عن حقوق المثليين، ان حرية اختيار نوعية العلاقة الجنسية تتوفر للنساء السحاقيات في الوقت حيث بامكانهن ممارسة الجنس مع الرجل، فهناك الكثيرات منهن يلجأن الى ممارسة المثلية الجنسية بعد الفشل في العلاقة الزواجية أو حصول اضطراب في العلاقة الجنسية مع الجنس المغاير. ولكن الحالة تختلف مع المثليون، حيث ان بعض منهم لايستطيعون ممارسة الجنس فعلياً مع النساء، وهؤلاء هم الذين تكون المثلية الجنسية لديهم، حالة طبيعية.



س / هل يوجد علاج لحالة المثلية الجنسية

مثلما ان السجال دائر بشأن جوانب الاخرى للمثلية الجنسية ، فأن السجال قائم حول علاج المثلية ومدى فعاليته. فاذا لم تكن المثلية الجنسية مرضاً نفسياً أو بايولوجياً، فهذا يعني انه أمر طبيعي وليس بحاجة الى علاج. وفي هذه الحالة فأن الامر في غاية الصعوبة والتعقيد، فكيف يمكن ذلك اخلاقيا و طبيا اذا كان المثلي لايرغب فيه ولا يصرح بأنه يعاني من مرض ما. ويجب الانتباه الى ان المشاكل التي تتعلق بالرغبة الجنسية بشكل عام، هي من اصعب المشاكل النفسية في العلاج و ويتطلب جهوداً كبيرة ووقت طويل للوصول الى حلول لها مع ان النتائج غالبا ما تكون غير مضمونة.

فبخلاف ما اعلنته جمعية علم النفس الامريكية بثبوت عدم جدوى القيام باجراء العلاج للمثلية الجنسية وأوصت المختصين في مجال العلاج النفسي بالتخلي عن ذلك، الاّ أن الجمعية الوطنية للبحث وعلاج الجنسية المثلية NARTH ترى أن هكذا منظور لايتصف بالتقدمية وانما هو منظور رجعي يهمل البيانات العلمية وانه بامكان العلاج النفسي أن يلعب دوراً كبيراً في تغيير الاتجاه لدى المثلي غير الراضي عن حالته ويعاني من التعاسة ولايرغب أن يبقى مثلياً. فبصورة عامة ليس هناك اتفاق من قبل علماء النفس والاجتماع والطب النفسي على وجود علاج للمثلية الجنسية ، مثلما ليس هناك اتفاق بشأن أسباب نشؤها، وهل هي اسباب بايولوجية أو نفسية أو بيئية، او كونها مرضاً نفسياً أم كونها حالة طبيعية لدى الناس كما سبق التطرق اليها. وهذا دليل على أن موضوع الجنسية المثلية موضوع في غاية التعقيد والغموض لاتزال بمثابة لغز مستعصي على الحل يتطلب جهوداً كبيرة لفك أسراره.



س / ماهي العوامل التي ترتب على المثلي في حالة منع المثلي من ممارسة المثلية الجنسية

ان الاحكام الدينية وخاصة في الدين الاسلامي واضحة وصريحة تجاه المثلية الجنسية أو ما يطلق عليها رجال الدين وعامة الناس بالشذوذ الجنسي. وعلى الرغم من وجود الحرية الجنسية والاعتراف بحقوق المثليين جنسياً والسماح لهم بتأسيس النوادي والجمعيات الخاصة بهم في كثير من الول الغربية، الاّ الصورة السلبية للمثلية الجنسية لاتزال قائمة في اذهان الناس ولاتزال غير مقبولة اجتماعياً وتوجه شتى الاهانات ونظرات الازدراء والتحقير الى المثليين جنسياً (خاصة في مجتمعاتنا). لابد لهذه الحالة ان تنعكس باثارها على حالتهم النفسية وتفرض ضغوطاً شديدة على حياتهم، مما تحدو بهم الى القبول بوضع مفروض عليهم باختيار حياة جنسية مع الجنس الاخر مرغماً خلافاً لميولهم ورغباتهم المثلية، وذلك من اجل كسب احترام المجتمع وضمان المورد الاقتصادي من خلال الحصول على العمل المناسب الذي يصعب على المثلي المنبوذ اجتماعياً من الفوز به. وهذا الواقع المرير الذي يواجهه المثلي جنسياً يولد لديه احساساً كبيراً بالاحباط وتعكر حياته حالات شديدة من القلق النفسي والاضطراب، ولايستبعد أن تسيطر علي مشاعره فكرة الشروع بالانتحار. وهذه الحالة تخلق لديه الازدواجية والانعزال الشديد أحياناً ويعيش كما دودة القز داخل شرنقته او في احسن الحال ضمن مجتمع ضيق من اقرانه المثليين

الأحد، يناير 15، 2012

حرية بدون -ولكن-!

إلهام مانع
الحوار المتمدن - العدد: 3508 - 2011 / 10 / 6 - 12:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع


سأطرح عليكما مثالاً، وأعرف اني سأصدمكما به. إعذراني. لكن لابد مما ليس منه بد.
هل تعرفان شخصاً، رجلاً او إمرأة، من المثليين؟
كلمة "مثلي" هي التي استخدمها لأصف شخصاً نسميه في مجتمعاتنا "شاذا"، "لواطياً"، او "سحاقية".
"مثلي" او "مثلية" هي الكلمة التي افضلها، لأنها لا تطلق أحكاماً أخلاقية على هذا الشخص. كلمة محايدة. لا تقف مع، او ضد، هذا الشخص. هي فقط تصف توجهه او توجهها الجنسي.
ولأنها تفعل ذلك، فهي ببساطة لا تعبر إلا عن إحترام لهذا الشخص، بغض النظر عن توجهه او توجهها الجنسي.
هل إنزعجتما؟
تسألان، كيف أحترم شخصاً نسميه "لواطيا"، او نسميها "سحاقية"؟
والله اني احترمهما.
في تعاملي مع غيري، لا أرى غير الإنسان في هذا الغير.
وسلوك هذا الشخص، مادام يخصه هو أو هي، شأنه.
شأنه الخاص.
لن أطلق احكاماً، ولن اصف ما يفعلاه إنحرافاً. إتجاهما الجنسي ليس إتجاهي، لكن هذا ايضاً شأني الخاص.
لدي أصدقاء وصديقات من المثليين، ولم اعرف منهم إلا كل خير.
بعض منهم متدينون. بعض منهن متدينات. أي والله، يؤمنون بالله ويؤدون صلواتهم، رجالاً ونساءاً.
بعض منهم فروا من الدين، أيا كان هذا الدين، لأنه لا يقبل بهم كما هم. بعض منهن فررن من الدين، أيا كان هذا الدين لأنه لا يقبل بهن كما هن.
فكل الأديان التوحيدية، والإسلام واحد منها، لا يقبل بالمثلية الجنسية.
بطبيعة الحال لن أشير إلى موضوع الغلمان لدينا، المذكور في القرآن، فتلك قضية اخرى، لا يمكن وصفها بالمثلية، بل تدخل في إطار الإستغلال الجنسي للأطفال. وهي جريمة، تهتك براءة طفل. وتستحق العقاب. لكن هذا موضوع اخر كما قلت، موعده لم يأت بعد.
وكثير من المجتمعات تعاقب من يمارس المثلية الجنسية. مجتمعاتنا واحدة منها.
وغيرها إستغرق وقتاً حتى كف عن تطبيق هذا العقاب.
وأعرف اننا لسنا وحدنا في موقفنا الرافض للمثلية الجنسية. اعرف اشخاصاً هنا في سويسرا والولايات المتحدة "لايطيقون"اشخاصاً من المثليين. ويطلقون كلمات ساخرة في حقهم /حقهن.
لكن مواقفهم الرافضة، تظل في حدود "الموقف" الرافض، لا "الفعل".
أن نحترم حرية الإنسان، لا يعني أن نقبل بكل ما يفعله هذا الإنسان.
ما يعنيه فقط أن حرية الإنسان شأن خاص.
طالما ان ما يفعله يتعلق به، وأنه يمارس المثلية الجنسية مع شخص بالغ، فهذا شأنهما.
شأنهما.
ليس من حق القانون أن يعاقبهما على فعل إتخذاه بمل إرادتهما.
لاحظا اني قلت القانون، لأن القانون هو المحك في هذا الموضوع.
المجتمع يحتاج إلى وقت إلى "التعايش" مع انماط مختلفة من "السلوك الجنسي".
والدين يتطور مع الوقت حتى يصبح من الممكن أن يقبل بالمثليين في رحاب الله.
لكن الجميل في الموضوع أن هناك كنائس بروتستنتية تقبل بالمتدينين من المثليين والمثليات في صفوفها.
تماماً كما أن هناك كنيسة الكريست الكاثوليكية، التي إنشقت عن الكنيسة الكاثوليكية، وأيضا تضم بين صفوفها المؤمنين من المثليين والمثليات.
الإسلام الإنساني يقبل أيضا بهذه الفئة من الإنسان.
يقبل بها دون "لكن".
يحترم حرية الإنسان، دون ان يلحقها بكلمة "لكن".
الدين دوره أن ينظم علاقة الإنسان بالرحمن. لا اكثر ولا أقل.
أن نصر أن الله يكره هذا "النوع" من البشر، أمر لا يقنعني. لأن المسألة ببساطة، أن المثلية الجنسية ليست "إختيار". لم يفق إنسان يوماً وقال، "سأصبح مثلي". بل تجد منهم الكثيرين والكثيريات، يعانون ويعانين كثيراً قبل أن يقبلوا ويقبلن بإتجاهم/هن الجنسي.
هي جينات في تكوين هذا الإنسان. صحيح ان هناك عوامل إجتماعية تدخل في الموضوع، لكن الأساس هو جينات يخلق بها الإنسان. ومادام الأمر كذلك، فكيف يكره الرحمن ما صنعه؟
ما نجده في الكتب المقدسة، ومنها القرآن الكريم، أمر اخر. لأنها ببساطة تعكس في كثير من جوانبها "القناعات المجتمعية" خلال "فترة زمنية تاريخية محددة".
---
تعمدت عزيزتي القارئة، عزيزي القاريء ان استخدم هذا المثل كي أفسر ما قلته في المقال السابق عن مفهوم الحرية، الذي يقوم عليه الإسلام الإنساني.
تعمدت أن استخدم هذا المثل لأني أدري أنه يناقض صميم واحد من اشد القناعات رساخة في منظومة القيم والتقاليد السائدة لدينا. وهدفي ليس أن اصدم. بل أن اوضح، أني عندما اتحدث عن الحرية، اعني بها حرية مطلقة.
إسلام إنساني، يحترم الإنسان، يحترم حريته، ويحترم إرادته. وإرادته هي مسؤوليته. ومادامت هذه المسؤولية وتبعاتها تتعلق به او بها شخصيا، فإن لا حق للقانون أن يتدخل في هذه الحرية.
تذكرا ردة فعل بعض المتحدثين بإسم التيار المحافظ في حركة الأخوان المسلمين المصرية على خطاب اردوغان، الذي دعا فيه إلى العلمانية وفصل الدين عن الدولة.
بعض منهم قال إن تركيا لا تعاقب "جريمة الزنا"، في حين ان هذه الجريمة تعاقب عليها الشريعة بالرجم. ولذا فإن تركيا لا تمثل نموذجاً لهذا التيار في حركة الأخوان المسلمين.
أنا انتمي إلى تيار يمكن وصفه بالمحافظ في مسائل العلاقات الجنسية. صحيح أني لا اجد غضاضة في مسألة الحب وممارسة الحب قبل الزواج، لكني أؤمن أني عندما قررت أن اتزوج، فأن زواجي يعني إلتزامي أمام هذا الرجل الذي اخترته. وأن هذا الإلتزام يجب أن يكون متبادلاً.
هذا موقفي.
إذا خانني زوجي سأتألم كثيراً. خاصة وأن العهد يقوم على الثقة والآمان. لكن ان أطالب بقانون يعاقب هذا الرجل بالرجم إذا فعل ذلك أمر لا اقبله. "هل يشفي غلي ان ارى رأسه يتهشم بحجارة يرميها بشر؟" أي عقاب وحشي هذا؟
هي مسألة بيني وبينه. ما سأفعله هو أني سأترك هذا الشخص. لأنه خان العهد.
لماذا نصر على أن نقحم الدين بأنواع وحشية من العقاب في أمور تظل إنسانية في الصميم؟
ثم لماذا نخاف من هذا الإنسان إلى هذا الحد؟
نقيده بسلاسل. نكمم فمه وعقله، ثم نقول له تحرك في إطار هذه الدائرة، لا تخرج منها. عليك اللعنه إن انت فعلت.
أية حرية يتحدثون عنها إذن؟ تبدو لي مفصلة على نفس "الثوب السعودي والإيراني"، النموذجيين الدينيين في منطقتنا.
حرية من نوع "نعم، ولكن".
"الحرية" السعودية، تعني أن تنقض على أي شخص يشتري وردة حمراء في عيد الحب!
تعاقب هذا الشخص. وتخاف من الوردة؟
مسكينة أيتها الوردة!
و"الحرية" السعودية والإيرانية تعني أن تهجم شرطة "الأخلاق" على أي شاب وشابة يمسكان بإيديهما وهما يتمشيان.
ولن يهم كثيراً إذا كانا متزوجين او حبيين.
الحب. أجمل علاقة إنسانية، مكروهة في الفكر الكهنوتي، والدول التي تطبق هذا الفكر.
وحرية "حزب الله" ادت إلى إرهاب اصحاب المتاجر ممن يبيعون المشروبات الكحولية في المناطق "المحكومة" بسلطة "دولة" حزب الله.
تماما كما أن "حرية" السودان أدت إلى جلد فتاة لا لشيء إلا لأنها لبست بنطلوناً.
بأي منطق تتحدث هذه الدول والفكر الديني الذي يطبقوه؟
منطق القرون الوسطى.
لا أكثر ولا أقل.
أن نحترم حرية الإنسان الشخصية، يعني أن نحترم كرامته. وكرامته في إختياره.
لا يحق للدولة أن تتحول بإسم الدين إلى وصي على هذا الشخص، تقول له ما يجب أن يأكله، يشربه،كيف يلبس ملابسه، مع من يأكل ويتقابل، من يحب ومن يكره، بل كيف يمارس الجنس مع زوجته، ويدخل الحمام، ويتخلص من فضلاته!
أي دين هذا الذي يتدخل في أخص شؤوننا؟
ونقول أن الله هو الذي يريد؟
الله هو الذي يقول لي كيف أدخل إلى الحمام؟
وأن ابسمل قبل أن امارس الجنس مع زوجي؟
الله هو الذي يقول لي كيف ألبس ملابسي؟
ما دخل الله في هذا الموضوع.
بل هم رجال، كتبوا بإسم الله، ثم قالوا إن الله يقول.
فصدقنا. مسكين أيها العقل.
ليس دين. بل وصاية.
وهذه الوصاية يجب أن تزول.
وزوالها مرتبط بمفهوم ثاني اساسي يقوم عليه الإسلام الإنساني. مفهوم العقلانية. والعقلانية ترتبط بالنص الديني.
وحديثه الأسبوع المقبل.