(دي برس - تحقيق: زاهر جغل)
قصتهم أشبعت تحليلاً وتفنيداً، وظلت مثار جدلٍ حول مشروعيتها من عدمه، فانبرى البعض للدفاع عن حقوق ما اصطلح على تسميته بالمثليين الجنسيين، وذهب فريق آخر إلى نبذ تلك العلاقات الجنسية وصولاً إلى إعدام من تورط بعلاقة مماثلة كما حدث مؤخراً في إيران، على حين باركت ولاية كاليفورنيا الأمريكية وبعض الدول الاسكندينافية زواج المثليين الذين استطاعوا من خلال تشكيلهم للوبي التأثير على أصحاب القرار في الولايات المتحدة، ومن ثم استصدار تقرير من الأمم المتحدة يطالب فيه حرية الجنس بشتى أشكاله وصوره.
وبالرغم من رفض مجتمعنا لفكرة المثلية الجنسية باعتباره انحرافاً أخلاقياً ودينياً، إلا أن ظاهرة شذوذهم أفصحت عن نفسها علناً في الشوارع وبعض المقاهي التي اتخذوها مكاناً لتجمعاتهم، كما شاعت قصص حفلاتهم وبروتوكولاتهم الخاصة في أمكنة سرية تسنى لـ (دي برس) كشف كواليسها ومراقبة ما يحدث فيها عن كثب والخروج بالتحقيق التالي:
مجتمع "الجو"
مجتمع قائم بحد ذاته، قوامه من الذكور الذين ابتدعوا لحياتهم دستوراً أقرب ما يكون لمجتمعاتنا السليمة باختلاف شذوذهم الجنسي واستبعاد الجنس الأخر عنه، ويضم هذا المجتمع شخصيات بارزة (قضاة، محامين، أعضاء في البرلمان، أطباء ومهندسين) وهم على الأغلب في العقد الخامس أو السادس من العمر، وظهور نشاطاتهم بشكل شبه علني ما هو إلا نتيجة جهود البعض على ترويج أنشطتهم وأماكن تجمعاتهم من خلال العديد من الأنشطة الدعائية، وكان لمواقع المثليين الجنسيين السوريين على الإنترنت الجهد الأكبر في هذا السبيل، ما دعا أغنياء هذا المجتمع إلى دخول منافسة ضارية فيما بينهم لإقامة أجمل وأكبر الحفلات الخاصة بجنسهم تحت بند "عيد ميلاد، تعارف.." بدعوة عامة تشمل الطبقات الفقيرة والوسطى والغنية، ذلك بعد أن كانت تجمعاتهم لا تتعدى بعض صالات الإنترنت ومطاعم دمشق وبعض (البارات والديسكو، والنايت كلوب) ومسابح المدن الرياضية إضافة لأحد مقاهي ساحة المرجة.
و لم يقتصر توسع مجتمع المثليين السوريين وتطوره على تعاضد مثليي دمشق فقط، بل أن أبناء المحافظات الأخرى من المثليين أبوا إلا وأن يكون لهم مكاناً ودوراً بارزاً عند كل اجتماع واحتفال، حتى ولو كلفهم الأمر قطع مسافة مئات الكيلومترات من المناطق الشمالية والشرقية إلى موقع الاجتماع، الذي ضم أيضاً بعض الشخصيات البارزة في المجتمعات العربية المجاورة والخليجية خاصة، إضافة لانضمام بعض الجنسيات الغربية التي تعمل في السفارات إلى مجتمع "الجو" حسب ما يحلو لهم تسميته.
قاموس شاذ
أبرز ما يميز مجتمع المثليين في سورية ازدواجية حياتهم ما بين ظاهر يتمسك بتقاليد المجتمع خوفاً من تهييج الرأي العام عليهم، وباطن يبحث عن حرية العيش والتصرف بخصوصيتهم الجنسية حتى ولو رفضها الآخرين، وعلى إثر
هذا الواقع كانت لهم رموز خاصة تتستر عن هويتهم المنبوذة ضمن قاموس لا يعلمه أحد سواهم، استطاعت (دي برس) الحصول على ترجمة بعض مفرداته، فمثلاً يطلق على الشاب الذي يلعب دور الرجل اسم top "توب" أو "القضية"، فيما الشاب الذي يلعب دور المرأة فيدعى "bottom بوتوم" أو ""booth ويشكلون النسبة الأكبر من شاذي سورية، أما صفة "الدبل" فتعطى للشاب الذي يلعب دور الفاعل والمفعول "positive and negative" تماماً كالأشخاص الذي يعرضون أنفسهم على الفضائيات التي تبث الشذوذ الجنسي.
وتصنيفات قاموس المثليين لم تغفل صفات الإغراء والإثارة، فكل شخص جديد يدخل مجتمعهم ويملك عضو ذكري بحجم كبير يلقب باسم الـ tro "ترو"، بينما ينادى لكل "بوتوم" يتراوح عمره مابين 15 – 20 سنة بالـ "الأنفون"، فيما غالبية الطبقة الفقيرة والمعدومة في "مجتمع الجو" من جنس الـ "بوتوم" امتهنوا الجنس مقابل المال تماماً كفتيات الليل في المجتمعات السليمة جنسياً، فيطلق على هذه الفئة اسم dota "دوتا"، وهم الأشخاص الذين يجوبون شوارع دمشق ضمن أماكن معروفة من قبل جنس"التوب"، فيواعدوهم إما في منازلهم أو في إحدى الشقق المأجورة وكلمة السر فيما بينهم "حادثة سيارة"، ليدفع لـ "بوتوم" مقابل هذه الليلة المبلغ المشروط من قبله، والذي يراعي قدرة الـ"توب" ومكانته الاجتماعية ويطلق اسم sefhon "سيفون" على كل "توب" يدفع النفود مقابل الجنس، فيما تفرقهم جملة "حضرت الماما جانيت" عند "شم" رائحة أي دورية تقترب من أماكن تجمعهم.
خطوبة وزواج
لم تعد قصص الحب والغرام حكراً على أبناء الجنسين الطبيعيين فقط، فكما يروي لنا التاريخ قصصاً عن جنون "قيس بليلى"، وهيام "عنترة ابن شداد" بابنة عمته "عبلة"،و النهاية الحزينة لقصة "روميو وجولييت"، يعيش مجتمع المثليين الجنسيين قصص حب زاخرة تشبه تماماً ما رواه أسلافنا عن روابط المحبة التي تجمع كل عاشقين، ودائماً يقف الأهل والمجتمع عقبة أمام الكثير من حالات الحب والارتباط، فيخيم الحزن على أجواء تلك العلاقة التي قد تفضي بعضها إلى الانتحار لشدة لوعة نار الحب التي تربط أي شابين مثليين بعضهما ببعض، ولعل قصة ارتباط كلاً من (لؤي.م) و(سمير.ع) هي من أكثر قصص الحب والغرام تداولاً بين أقرانهم المثليين، حيث حاول لؤي الانتحار أكثر من مرة لعدم سماح أهله بارتباطه من سمير، ووفقاً للؤي فإنه يشعر بالفخر في حال انتحاره من أجل حبيبه المثلي.
وليست مجمل الارتباطات التي تجمع المثليين مؤداها الفراق والبعاد، ففي كل شهر تقريباً يلتم شمل المئات من المثليين في حفلات خطوبة أو زفاف عاشقين منهم، في جو لا يختلف إطلاقاً عن حفلات التعارف وأعياد الميلاد، فيتخلله تقديم المشروبات الروحية وتعاطي المخدرات "حبوب السعادة" في حين تهتز الـ "فيلا" (مكان الاجتماع) بمن فيها جراء صخب الموسيقى، حيث يقدم المخنثين عرضاً راقصاً ببدلات شرقية وشعر مستعار، لينتخب الحضور بعد هذا العرض ملك جمال الحفلة، وبعد انصراف الضيوف يتم ممارسة الشذوذ ضمن أروقة وغرف الفيلا بين من بقي منهم.
وترتيبات حفل زواج المثليين لا تختلف إطلاقاً عن زواج الطبيعيين جنسياً، فيلتزم "التوب" بتقديم المهر للـ"بوتوم" إضافة لإقامة شهر عسل في إحدى المدن الساحلية السورية، وربما يكون شهر العسل في إحدى البلاد العربية أو الأوروبية.
شذوذ وأمراض
ولا تخلو حياة الشاذين جنسياً من بعض الأعراض المرضية فيشكو العديد من هؤلاء من السيلان نتيجة ممارسة دور الفاعل في عملية الشذوذ، بينما يصيب المفعول به أعراض مرض البواسير، الأمر الذي أكده الدكتور حسين.ع
أخصائي أمراض جلدية وتناسلية أما الشذوذ فلا يسبب من وجهة نظره البواسير إلا أنه يفاقم الحالة فقط، كون الأساس لهذا المرض هو العامل الوراثي أكثر من أي عامل أخر، ويشير د. حسين إلى العديد من الأمراض الجنسية الأخرى التي يسببها الشذوذ، ولعل أشهر تلك الأمراض هو نقص المناعة المكتسب (الايدز) وأيضاً (الحلق البسيط - التناسلي) المرض المزمن الذي أطلقت العديد من التحذيرات العالمية حوله، وتتخذ الحيطة منه عبر استخدام الواقي الذكري، فيما يصاب العديد من المثليين جنسياً بمرض (الثأليل) وهو طفح جلدي سببه الاتصال الشرجي.
وظاهرة المثليين الجنسيين وفقاً للدكتور أحمد الأصفر أستاذ علم الاجتماع في جامعة دمشق بدأت تتفشى على مستوى العالم نتيجة للانحلال الأخلاقي والاجتماعي، ويرى الأصفر أن كل شخص منحل أخلاقياً هو مهيأ للانجرار نحو الشذوذ، والمثليين الجنسيين في سورية بحسب الأصفر هم قلة من نسبة السكان ومرفوضين اجتماعياً ضمن ثقافتنا العربية.
ورغم سحب الشذوذ الجنسي عام 1980 من التصنيف العالمي للأمراض النفسية إلا أن الدكتور حسان المالح أخصائي أمراض نفسية يرى إمكانية اعتبار المثليين مرضى نفسيين، فالغموض لا يزال يلف أسباب مخالفتهم للطبيعة البشرية، والبعض يعزو الأمر إلى العوامل الوراثية دون إيجاد دليل واضح على ذلك في الأبحاث العلمية، فيما يجد فريق أخر أن الإيذاء الجنسي في مرحلة الطفولة يلعب دوراً واضحاً في الميل نحو الشذوذ.
وتنقسم آراء المسلمين في مسألة المثليين إلى فئتين وفقاً للدكتور محمد الحبش رئيس مركز الدراسات الإسلامية في دمشق، فئة متشددة تطالب بقتل المثليين "أقتلوا الفاعل والمفعول به" فيما تعتبر الفئة الأخرى المثليين مرضى، و الحبش يؤيد الثانية مؤكداً أنه يتوجب على المجتمع استيعاب المثليين ومساعدتهم للخروج من هذه الفحشاء التي تعد من الكبائر في الإسلام، كما يجد المثليين الجنسيين أبواباً موصدة في الدين المسيحي، وبحسب الخوري نزار مباردي فإن كل شيء مخالف للطبيعة محرم في الكنيسة، أما بشأن الدول المسيحية التي أباحت زواج المثليين على أنه زواج طبيعي فيؤكد الخوري بأن الكنيسة بريئة من قراراتهم المدنسة لطهارتها.