الثلاثاء، مايو 18، 2010

المثلية في لبنان

ارجو ان لا يفهم نقلي لهذا المقال باني اتهجم على لبنان او على شعب لبنان فل كل شعب حريته ومقوماته السكانية والثقافية لكني فقط ا قوم بجمع كل المواضيع التي تخص المثلية لتكون متاحة للجميع المثليين والغير مثلين

ودمتم بود ... غريب مثلي حتى النخاااع


=-=-=-=-=-=-=-=


|أجرت وكالات تحقيقًا حول أوضاع المثليين في لبنان، أشارت فيه إلى الأماكن التي يرتادونها من علب ليليَّة وبارات وحمَّامات عامَّة، ناقلة آراءهم وطريقة عيشهم، والقوانين التي تتربَّص بهم لتحرمهم من حقوقهم الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة. وألقت الضوء على ما تقوم به جمعية "حلم" المدافعة عن حقوق المثليين في لبنان والعالم العربي، وخصوصًا من خلال عملها على إلغاء العقوبات في حقهم، إضافة إلى حملات التوعية الصحيَّة والجنسيَّة.

بيروت: "أنا مثلي..." "أنا سحاقيّة..." "تقبلني أرجوك..." كثيرًا ما سمعنا هذه العبارات، ولا نزال نسمعها إلى يومنا هذا. فمع الانفتاح الكبير الذي يشهده المجتمع اللبناني، حيث أصبح المثلي يعيش في عالم خاص به، وحيث الدولة تغض الطرف عن الأماكن التي يرتادها المثليون، لا يزال المثلي يعيش في دوامة ويتخبط في محيطه، إذ يصر بعضهم على اعتباره مثلياً، وينظر بعضهم إليه على أنه حالة موجودة عليه تقبُّلها، فيما يطلق كثيرون أحكامًا ظالمة بحقه أو يحاربونه حتّى في لقمة عيشه كونه مثليًّا حنسيًّا.

أماكن خاصة
للمثلي في لبنان أماكن خاصَّة يرتادها، وهي على مرأى من الدولة وكثيرين من الناس. وتتنوع بين البارات والنوادي الليليَّة والحمامَّات العامَّة، وبعضها أشهر من أن يعرَّف ويرتادها المثليونيًّا بطريقة علنيَّة. وعلى الرغم من معرفة الناس بأن الملهى الليلي خاص بالمثليين، إلا أن العديد من الأشخاص غير المثليين يرتادونه للسهر، فالتواجد فيه يبعث على الفرح كما يقول أحد المثليين، إذ يأتي كل أسبوع إلى ذلك المكان لقضاء وقت جميل مع الأصدقاء، الرقص على نغمات الموسيقى الصاخبة، وإغتنام فرصة للقاء مثلي آخر، وربما لقضاء أمسية جنسيَّة عابرة (one杗ight stand)، أو فرصة إقامة علاقة رومانسيَّة (boyfriend).
..



يقول عادل إنَّ "المثلي يبحث دائمًا عن الحب، فهو فرصة للتعبير عن مشاعر دفينة، علمًا أن كثيرين تعرضوا للتحرُّش حين كانوا قاصرين". ويضيف إنَّ أولى علاقاته الجنسية كانت مع زوج عمَّته، وهو لم يكن مدركًا في حينها ما يحصل، وخصوصًا أنه كان يبلغ من العمر 13 عامًا. "كنت في مرحلة اكتشاف رغباتي الجنسيَّة"، يفسر عادل، "وكان الأمر بالنسبة إلي مجرد تجربة"، وحين سألناه عما إذا اكتشف الأهل ما كان يحدث في حينها، أجاب بالنفي، مضيفًا "ليتني تكلمت في حينها لأنَّ ما عشته كان تحرُّشًا جنسيًّا بحتًا، وكان على الجاني أن يُعاقب".



رحلة في عالم المثليين العرب

لنعد إلى أجواء الملاهي الليليَّة. فالمثليون يأتون بأبهى الحلل، ويتنوّعون بين مثليين وسحاقيات ومتحوِّلين جنسيًّا... فالمتحوِّلون لهم مكانهم الخاص أيضًا. شعر مستعار وكثير من الأحيان شعر طويل طبيعي، مستحضرات تجميل، عطور نسائيَّة، ثياب نسائيَّة، وبعض الأثداء المزروعة. تُذهل عندما ترى بعض المتحوِّلين جنسيًّا، فكأنهم نساء حقيقيات. لهذه الفئة من النَّاس معجبون من أحزمة البؤس حول بيروت، يطاردونهم للاستفادة مما في جيوبهم، ويقول أحد المتحوِّلين جنسيًّا الذي يسمي نفسه "إيللا" إنه كان يشعر بأنه امرأة مذ كان صغيرًا، وخصوصًا أن والدته كثيرًا ما كانت تبتاع له دمية أو تضع ماكياجًا على وجهه، وغالبًا ما كانت تشاهده يرقص أمامها... "حينها كانت سعيدة جدًّا وفخورة بابنتها"، يقول ممازحًا.



وفي عمر الـ19، قرر أن يجري عمليَّة التحوُّل، فأخبر والدته التي صفعته على وجهه وأهانته وطردته من المنزل... "شعرت كأنني نفاية. لم تحترمني، هي التي شجعتني لأن أصبح على ما أنا عليه اليوم... خرجت من المنزل، وذهبت للمكوث عند صديقي، وهو متحوِّل جنسيًّا مثلي، فاستقبلني وبقيت في منزله حوالى شهرين... حينها انقطعت علاقتي بالأهل، لأكتشف بعدها أن والدتي في المستشفى، ووضعها الصحي حرج، فقررت زيارتها، فاستقبلتني بفرحة كبيرة، وشهقت بالبكاء، وقالت لي: "ابني افعل ما تشاء، أنا إلى جانبك وسأدافع عنك حتى مماتي..."، فعدت إلى المنزل وبعد سنة أجريت العملية، وحولت اسمي من إيهاب إلى إيللا..."، وحين تسأله كيف ينفق على نفسه يقول: "أعمل مزينًا نسائيًّا وأتقاضى مبلغًا كبيرًا وأنا أعيل نفسي وصديقي الذي التقيت به هنا... هو يعمل في مصنع وأنا أناوله كل شهر400 دولار

الملهى الليلي الذي زرناه في ضاحية بيروت الشماليَّة هو أول مكان خاص بالمثليين، ويفتح أبوابه ليلتي الجمعة والسبت مقابل 20 دولارًا للرجال، أما العنصر الأنثوي فله حق الدخول مجَّانًا قبل منتصف الليل، ربما لإضفاء نكهة خاصَّة على المكان، لكن من المؤكد أن الملهى يقوم بذلك لجعله نوعًا ما مكانًا كسائر الملاهي، وخصوصًا أن معظم الفتيات هناك سحاقيَّات أو مزدوجات الميول الجنسيَّة.. تذكرة الدخول تخولك لشرب ما تريد (open bar)، أما المخدَّرات فممنوعة منعًا باتًّا ويُعاقب من يُضبط وهو يتناولها. في السابق كان ممنوع على المثلي الالتصاق بحبيبه في الملهى أو تقبيله على فمه، لكن الوضع اختلف وبات في إمكان المثليين التصرف على سجيتهم، لكن تُمنع منعًا باتًا ممارسة الجنس في أي مكان من الملهى بما في ذلك الحمَّامات.

زوار هذه النوعيَّة من الملاهي الليليَّة من مختلف الطبقات، من بينهم الأغنياء ومتوسطو الدخل أضف إلى المعدمين.. وأحيانًا تلتقي بمشاهير من مختلف القطاعات الفنيَّة، من فنانين وممثلين ومخرجين وكتَّاب سيناريو وغيرهم، وهذا الملهى هو المكان المفضَّل للأجانب والعرب على السواء... أموال طائلة تُصرف عليهم، لشراء سيَّارة جديدة، أو فتح حساب في المصرف، أو شراء هدايا ثمينة. وفي المقابل هناك مثليون لا يتقاضون أي مبلغ مادي، بل يذهبون إلى ذلك المكان لقضاء أمسية جميلة مع أصدقائهم... والمكان يعمُّ برجال الأمن الخاص لضبط الوضع، خصوصًا حين يثمل بعضهم، أو حين يتعرَّض أحد الأشخاص لمثلي، فيُرمى خارجًا لأنَّ الأولويَّة للمثلي جنسيًّا في هذا المكان.

ملهى آخر يتخصَّص بالمثليين ذوي الأجسام الملأى بالشعر والبنية الضخمة وكبار السن (bears ?chubbies ?daddies)... يقع هذا المكان في منطقة الحمرا، قرب الجامعة الأميركية، وهو يفتح أبوابه أيام الخميس والجمعة والسبت والأحد. تذكرة الدخول 20 ألف ليرة لبنانيَّة، ويحق لك من خلالها تناول مشروبين فقط، وإن أردت المزيد، فما عليك إلا بدفع مبلغ إضافي... هذا المكان كان يعج بالكثير من الزوَّار، لكن الوضع اختلف الآن، إذ أصبحت تقصده أعداد قليلة. يقول "ناجي" أحد زوار هذا المكان، إنه كان يقصده كثيرًا، وكان يجد فيه راحته وسعادته... "كنت أذهب أربع مرات أسبوعيًّا وفي كل مرة أخرج مع رجل مختلف، كان الأمر أكثر من رائع، حتَّى الأجواء كانت أفضل من الآن.. الآن تشعر بعبء تذكرة الدخول التي لم تكن مفروضة حين فتح الملهى أبوابه، كما أنه يقدم المشروبات الآن في كؤوس صغيرة الحجم.. الآن أصبح هذا المكان لكبار السن... الذين يأتون إلى المكان لتذكر مراهقتهم".

وهناك ملهى ليلي آخر يفتح أبوابه ليلتي الخميس والأحد. تذكرة الدخول 20 دولارًا... وينظم بين حين وآخر مسابقات خاصَّة بالمثليين مثل أفضل فستان أو أفضل زي تنكري أو أفضل جسم أو أجمل مثلي... والفائز يحصل على مبلغ مالي يقدمه المكان. يتميَّز المكان بأن المثليين يستطيعون خلع الجزء العلوي من ثيابهم (topless) والرقص على إيقاع الموسيقى، خصوصًا الأغاني اللبنانيَّة... حيث يتنافس المثليون فيما بينهم على تأدية الوصلة الأجمل



وللحمَّامات العامَّة قصة أخرى فهناك حمام في حي النزهة: وهو حمام تركي، كان في السابق مقصد الأثرياء والنجوم، أما الآن فقد تحول بعض الشيء إلى مكان خاص للمثليين حيث يستطيعون ممارسة الجنس الشفوي في السونا أو غرفة البخار، كما يستطيعون ممارسة الجنس مع المدلك وهو من جنسيَّة عربيَّة، ولا يحمل شهادة تدليك، وكل ما عليه فعله هو تلبية رغبات الزائر مقابل أجر مادي طبعًا. تعرفة الدخول 18 ألف ليرة لبنانية، "مسّاج" صابون خمسة آلاف ليرة، "مساج" زيت 15 ألف ليرة، وتكييس (فرك الجسم بليفة خشنة اسمها كيس) ثلاثة آلاف ليرة. الدخول إليه يفرض عليك خلع ثيابك كاملة ووضع منشفة تغطي بين الخصر والركبتين.

حمَّام آخر شبيه بسابقه لكن باستطاعة الزائر دفع 10 آلاف ليرة لبنانيَّة واستعارة غرف التدليك لمدة ساعة من الوقت وقضاء الوقت مع زائر آخر أو مدلك. تعرفة الدخول 20 ألف ليرة لبنانيَّة. معظم زواره من الطبقة المخمليَّة، كما يتمتع بجاكوزي خاص به حيث في استطاعة الزائر التمتع بالمياه الساخنة وممارسة بعض الأمور الجنسيَّة في الحوض. يتميَّز المكان بوجود عدد كبير من المدلكين من جنسيَّات عربيَّة، نحو 20، حيث باستطاعة الزائر اختيار الأنسب له شكلاً وحجمًا.

وهناك حمام ثالث يقع في السوق الشعبية في طرابلس. تعرفة الدخول 12 ألف ليرة، وهو قديم بعض الشيء، وتفوح منه رائحة غير محببة. تعرفة المساج العادي خمسة آلاف ليرة لبنانيَّة أما إذا أردت المساج الخاص فباستطاعتك ممارسة الجنس مع المدلك وما عليك إلا أن تدفع 15 ألف ليرة لبنانية. ولا تنسَ البقشيش وإلا لن يهتم بك المدلك في المرة المقبلة.



وهناك ما يعرف بالـ Cruising Area أو منطقة التجوال. وفي بيروت الكبرى، يوجد مكانان متعارف عليهما بين المثليين جنسيًّا، حيث باستطاعة المثلي التجوُّل في سيارته والتعرف إلى مثلي آخر... الأول يقع في ضاحية بيروت الشماليَّة، وتحديدًا في منطقة سن الفيل، قرب شركة للغاز والثاني في منطقة مارينا ?ضبية. كما بإمكان المثليين الذهاب إلى منطقة الروشة حيث تمر سيَّارات يقودها مثليون باحثون عن الجنس السريع... المؤسف أن بعضهم يتعرض للسرقة أو التهديد.

يقول "جهاد" أحد زوار سن الفيل، إنه تعرض لحادثة مؤلمة في ذلك المكان، حيث كان يجول في سيارته فأُعجب بشاب آخر يجول في سيَّارته أيضًا، فاستوقفه وتحدث معه، فدعاه جهاد إلى سيَّارته، وما أن وضع يده على عضوه الذكري، حتى رفع الشاب المسدس في وجهه، فيما طوقت سيَّارة أخرى المكان، وفوجئ بمجموعة رجال يحملون الأسلحة ويشهرونها في وجهه... سرعان ما اكتشف لاحقًا أن هؤلاء رجال أمن، إذ نقلوه إلى زنزانة وأهانوه، واتصلوا بالأرقام المدوَّنة على هاتفه، كما اتصلوا بذويه وأعلموهم أن الشاب مثلي.

أما في المارينا، فما حصل مع "فادي" كان غريبًا بعض الشيء. كان يتمشّى على أرصفة المارينا ووقع نظره على شاب آخر فأُعجب به، فاقترب الأخير منه وكلَّمه، ليتفقا لاحقًا على الذهاب إلى منزل فادي وممارسة الجنس. وهناك مارس فادي الجنس مع الشاب، وبعد الانتهاء أخرج الأخير خنجرًا وهدده مطالبًا بـ 500 دولار، فما كان من فادي إلا أن وافق. لكن بما أنه لم يكن يحمل المبلغ، طلب منه صاحب الخنجر الاستعانة بصراف آلي، فلبى فادي طلبه. لكن القصة لم تنتهِ هنا، فبعدما أخذ الآخر المال، ضرب فادي وسرق هاتفه ومحفظته.

مسبح فندق شهير في وسط بيروت، يعج في الصيف بالمثليين وخصوصًا الأثرياء منهم، الذين يأتون إليه لعرض أجسامهم الجميلة والمايوهات المميزة. اللافت في الأمر أن العديد من العائلات تقصد ذلك المكان، كما أن أشخاصًا مغايرين يقصدونه، لكنه لا يزال المكان الأكثر استقطابًا للمثليين في فصل الصيف.

قد يعتبر بعضهم أن معظم المثليين لا يتمتعون بمركز اجتماعي مرموق، علمًا أن المئات منهم يعملون في قطاعات عديدة، فمنهم من يملكون شركات كبرى معروفة، والكثير منهم يعمل في قطاع الفن ومتفرعاته.. بعضهم نهاره غير ليله، فهو يخفي هويته الجنسيَّة نهارًا. ويتميَّز آخرون ببعض التصرفات الأنثويَّة، فلا يهتمون بما يقوله الناس لهم، ويعيشون حياتهم على سجيتهم... قد يقول بعضهم إن المثلي يعيش حياةً فاجرة، تشمل الإدمان على المخدرات والسرقة وبيع الجسد، لكن هذه الأمور توجد أيضًا عند سائر الناس




وضع المثليين القانوني في لبنان
تنص المادة 534 من قانون العقوبات اللبناني على أن كل مجامعة جنسيَّة مخالفة للطبيعة يعاقب عليها بالسجن لمدة أقصاها سنة واحدة. هي جملة واحدة تستخدمها الدولة لتجريم المثلية. تعود جذور تلك المادة إلى عهد الانتداب الفرنسي، حين أدرجتها السلطات في قانون العقوبات لإرضاء المؤسسات الدينيَّة والتوجهات القمعيَّة لحكومة فيشي المتحالفة مع النازيَّة في فرنسا. وهي لا تزال حتى يومنا هذا تقوم بالدور الرئيس في قمع الحريات الجنسيَّة. وتخالف المادة 534 الدستور اللبناني الذي يضمن حرية الفرد الشخصيَّة وأيضًا كل الاتفاقيَّات الدوليَّة المتعلقة بحقوق الإنسان التي وقعها لبنان.

ولا تقتصر تأثيرات المادة 534 فقط على الشق القانوني المدني، بل هي تحرم شريحة كبيرة من المجتمع من حقوقهم الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، كحق الحماية من رب العمل عند التعرض للصرف التعسفي، أو الحق في الحصول على الخدمات الصحيَّة، أو الحق الكامل في المدارس والجامعات والحق بالأمان والأمن الشخصيين. وتثبت الدراسات الرسميَّة أن المادة 534 تشكل عائقًا أمام التواصل مع الذين يمارسون الجنس المثلي بغرض توعيتهم حول فيروس ظاهرة نقص المناعة المكتسبة (السيدا أو الإيدز) وغيره من الأمراض المنقولة جنسيًّا، وذلك بسبب التمييز القانوني ووصمة العار في المجتمع اللذين يفرضهما القانون السالف الذكر.

"حلم" جمعية للمثليين تعنى بشؤونهم


يقول غسان مكارم، المدير التنفيذي لجمعية "حلم" المدافعة عن حقوق المثليين، إنه يجب العمل على إلغاء المادة 534 من قانون العقوبات اللبناني، كونها تقوم على الحد من الحريَّات، كالكثير من التشريعات الأخرى التي تفرض رقابة مشدَّدة على حياة النَّاس الخاصَّة وبالتالي تؤثر في حرية اختياراتهم وتنعكس على سلوكهم. ويضيف "الجميع متساوون مهما كانت ميولهم الجنسيَّة، فلكل فرد الحق في أن يكون أو لا يكون ناشطًا جنسيًّا، أو أن يكون أو لا يكون في علاقة. يربط المجتمع دائمًا الجنس الجيد بالجنس الذي يقع ضمن مؤسسة الزواج، في حين يُعتبر الجنس المثلي، الجنس الشرجي جنسًا سيئًا".


الإيدز: مرض المثليين!؟

من المعتقدات الشائعة أن الإيدز هو مرض المثليين وأن الرجال المثليين هم الفئة الأكثر عرضة لالتقاط فيروسه. إلا أن المعطيات تشير إلى أن الإصابة بفيروس نقص المناعة هي أعلى لدى الأشخاص ذوي الميول الجنسيَّة "الطبيعيَّة" (straight) مما هي عند المثليين، وذلك بحسب "البرنامج الوطني لمكافحة السيدا" في لبنان. وتؤكد الإحصائيَّات أنه لغاية العام 2007 كانت نسبة الأشخاص "الطبيعيين" المصابين بعدوى فيروس السيدا 56 في المئة (العدد التراكمي منذ بدء الإحصاءات)، في مقابل 20 في المئة من مثليي الجنس ومزدوجي الجنس.




وأظهرت الدراسات أن هناك ارتباطًا بين القمع والتمييز والممارسات الجنسيَّة غير المحميَّة التي تزيد فرص الإصابة بفيروس نقص المناعة وغيره من الأمراض. فمن خلال دراسة قامت بها "حلم" و"جمعية العناية الصحيَّة"، لوحظ أن الرجال الذين يقومون بعلاقات مثلية لا ينظرون إلى موضوع الصحَّة والحماية كأولوية بسبب القلق من الوصم والتمييز وكشف حياتهم أمام الملأ وغياب الحريَّات وتكبيل علاقاتهم الاجتماعيَّة والعائليَّة بسبب ميولهم الجنسيَّة.

لهذه المناسبة، وبمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الإيدز، نظمت "حلم" حملة من أجل توعية المثليين حول فيروس نقص المناعة المكتسب والأمراض المتناقلة جنسيًّا والجنس الآمن. وانطلق المتطوّعون يحملون سلالاً تملؤها واقيات ذكرية، وشرائط حمراء وروزنامات تبين أماكن إجراء الفحوص المجانيَّة. وقامت "حلم" بجولة على النوادي الليليَّة والمقاهي والتجمعات التي يقصدها المثليون لمدة خمسة أيام متتالية. "الواقي الذكري يجعلني أفقد اللذة الجنسيَّة، لا أستعمله"... سمع المتطوعون تلك الجملة مرارًا خلال الجولات، ومن هنا بدأ التدخل لتصحيح هذه المفاهيم.

يقول غسان إن المتطوعين فوجئوا بأن عددًا كبيرًا من الناس ليس على دراية بوجود أماكن تؤمِّن الفحص السري والمجاني لفيروس نقص المناعة المكتسب. وفي الختام يقول مكارم إنهم نجحوا في تصويب بعض المفاهيم الخاطئة وإيصال الرسالة في شكل واضح.


رسالة ناشطة وهادفة!


تواصل جمعيَّة "حلم" عملها لحماية الحقوق الإنسانيَّة للمثليين والمثليات والمتحوّلين جنسيًّا وفي تقديم الخدمات الاجتماعيَّة والصحيَّة والقانونيَّة. في 23 كانون الثاني (يناير) 2009 حصلت "حلم" على جائزة لحقوق الإنسان تحمل اسم "فيليبا دي سوزا"، المرأة التي تعرضت للاضطهاد والتعذيب القاسي عند إعلان حبها لامرأة أخرى، من قبل محاكم التفتيش التي وضعها الاستعمار في البرازيل في القرن السادس عشر. وتسلمت "حلم" الجائزة تقديرًا لجهودها وعملها في مجال حقوق الإنسان في العالم العربي ودول العالم الثالث في احتفال نظمته المفوضية العالميَّة للحقوق الإنسانيَّة للمثليين والمثليَّات في نيويورك في آذار (مارس) 2009.

وبمناسبة "اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية" نظمت الجمعيَّة سلسلة نشاطات على مدى يومي 16 و17 أيار (مايو) 2009 في "مسرح بابل" في الحمرا، تخللها لقاء حواري عن المادة 534 من قانون العقوبات اللبناني، وأهمية إلغائها، بمشاركة المحامي والباحث القانوني نزار صاغية والأخصائية النفسية د. مها ربَّاط. كما شاركت "حلم" في عدد من ورش العمل والمؤتمرات المحليَّة والإقليميَّة والعالميَّة، بهدف تعزيز علاقات الجمعيَّة بمنظمات ومؤسسات حقوق إنسان، مؤسسات الخدمات الصحيَّة والاجتماعيَّة، ومجموعات فضائح تناضل من أجل الحقوق الجنسيَّة والجسديَّة



الوضع القانوني للمثليين في المنطقة العربية
في 22 كانون الأول (ديسمبر) 2009 أطلقت "حلم" دراسة حول الوضع القانوني للمثليين في المنطقة العربيَّة. كان التقرير من إعداد وحيد الفرشيشي، أستاذ القانون في الجامعة التونسيَّة، ونزار صاغية، الباحث القانوني. أوضح الفرشيشي أن كل القوانين العربيَّة تجرِّم المثلية الجنسيَّة. ويقسم تلك الدول إلى فئات متعدّدة: ففي لبنان وسوريا والمغرب، مثلاً، يجرِّم القانون العلاقات "المنافية للطبيعة"، الأمر البالغ الخطورة لأنه يخضع للتأويل والاستنسابية إلى حد كبير.

وقد تمَّ فعلاً بموجب هذه القوانين الحكم على أناس بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات. وأشار الفرشيشي إلى أن العقاب يتغير وفقًا للبلد، وبالتالي يمكننا أيضًا تقسيم العقوبات إلى فئات. ففي البلدان التي كانت تحت الاحتلال الفرنسي كتونس والمغرب، يجرِّم القانون المثليين والمثليَّات على حد سواء بعقوبة أقصاها ثلاث سنوات سجن. أما البلدان التي كانت تقع تحت الاحتلال البريطاني، فنجد فيها أحكامًا تتراوح بين 10 سنوات و15 سنة. وتقع الكويت وقطر والإمارات ضمن هذه المجموعة. كما يُعتبَر في بعض البلدان العربيَّة مجرد ارتداء ملابس أنثويَّة جرمًا قد تصل عقوبته إلى 10 سنوات سجنًا، في حين يُجبَر المحكومون الأجانب على مغادرة البلد.

من ناحية أخرى، تستقي بلدان أخرى قوانينها من الشريعة الإسلاميَّة كالسعودية والسودان وموريتانيا. ففي السودان مثلاً يطبق على المثلية الجنسيَّة ما يطبق على الزنى، أما في السعودية، فهناك قوانين خاصَّة بالمثلية الجنسيَّة قد تصل إلى عقوبة الإعدام.


حكم قضائي يخرج العلاقات المثلية الرضائيَّة بين راشدين من دائرة المعاقبة

بتاريخ 3 كانون الأول (ديسمبر) 2009، صدر عن القاضي المنفرد الجزائي في البترون منير سليمان حكم أخرج العلاقات المثلية الرضائية بين راشدين من دائرة المعاقبة، وذلك في سياق ملاحقة جزائيَّة ضد شابين ادعت عليهما النيابة العامة على أساس المادة 534 عقوبات التي تجرِّم "المجامعة خلافًا للطبيعة" حتى سنة حبسًا لوجودهما في وضع ملتبس. وأوقف الحكم التعقبات في وجه الشابين لأسباب بعضها واقعي. إذ تبين للمحكمة عدم ثبوت الأفعال المعزوة إليهما، وبعضها قانوني ومفادها أن الأفعال المذكورة، على فرض صحتها، لا تخضع لمفهوم "المجامعة خلافًا للطبيعة".


ومن هذا الجانب، عُدّ الحكم سابقة قضائيَّة، قد تكون الأولى من نوعها في الشرق الأوسط، من شأنها أن تمهد لقلب الاجتهاد السائد بشأن المادة 534 المذكورة وأن تأذن بالنتيجة بتحرير شريحة واسعة من المواطنين (المثليين) من هشاشة "الخارجين عن القانون" بسبب ميلهم الجنسي.

المثليون جنسيًّا قد يكونون أينما كان، ومنهم فئة كبيرة تدخل في نطاق المشاهير: نجوم الفن الغنائي، الممثلين، الممثلات، مديرو الأعمال، الصحافيون، مصففو الشعر، مصممو الأزياء، النواب أو الوزراء أو المسؤولون المدنيون والعسكريون وأبناؤهم وبناتهم... لكن المثليين يتعرضون للإضطهاد بسبب إختلافهم ولأنهم أقلية في مجتمعات لا تزال غير قادرة على تقبل الفكرة، وتعاني من رهاب المثليَّة او ما يعرف بـ "الهومو فوبيا

الاثنين، مايو 17، 2010

الجنسية المثلية بين الوصم والتفاخر




الكاتب: أ.د محمد المهدي
نشرت على موقع مجانين بتاريخ: 03/10/2007




هناك أعداد متزايدة من حالات الجنسية المثلية (أو ما يطلق عليه الشذوذ الجنسي) ظهرت وترعرعت وعبرت عن نفسها من خلال مواقع الإنترنت وغرف الدردشة والمدونات, وأصبحت تأتي إلينا مئات الاستشارات تصور تنويعات هائلة للسلوك الجنسي في عصر ما بعد الإنترنت والقنوات الفضائية المفتوحة منها والمفضوحة, ولم يكن يخطر ببالنا وجود هذا العدد الكبير من المثليين في مجتمعاتنا وفي غيرها, ولم نكن نتصور علو صوتهم وحماسهم إلى هذه الدرجة, فعلى قدر ما يلقونه من وصم ونبذ في المجتمع على قدر ما يبالغون هم في الاستعراء والتباهي والتفاخر بما يفعلون. وقد بعث أحدهم بمجموعة من الأسئلة والتساؤلات ربما من قبيل حب المعرفة, أو من قبيل توصيل رسائل معينة للمجتمع, أو من قبيل التحدي للقوانين والأعراف والأخلاقيات السائدة والمضادة لميولهم, المهم أنها كلها تستحق التوقف والتأمل والمراجعة في عصر لم يعد يكفي فيه الزجر والنهي والكف.

وأسوق إليك أيها القارئ العزيز بعضا من هذه التساؤلات: هل لم تعرف البشرية الجنسية المثلية قبل قوم لوط؟ وهل كانت زوجة لوط سحاقية؟.. وهل تسمية السحاق لها علاقة بالنبي إسحاق؟... وما ذنب المثليين في مشاعر وغرائز وجدوها في أنفسهم تجاه أمثالهم ولم يجدوا أي مشاعر تجاه الجنس المقابل؟.. ولماذا يعيشون محرومين من تحقيق رغباتهم الحقيقية تجاه من يحبون ثم يرغمون على علاقات بجنس لا يجدون في أنفسهم أي رغبة أو ميل تجاهه لا لشيء إلا لإرضاء المجتمع والخضوع لمعاييره؟.

لماذا لا تترك الحرية للمثليين يعبرون عن أنفسهم في بلادنا كما حدث في أمريكا والدول الأوروبية بل وحتى بعض الدول الشرقية؟. ألم تذكر الجنسية المثلية كأحد ألوان النعيم في الجنة وذلك في صورة "الولدان المخلدون"؟. هل يحاسب المثلي على ميوله الجنسية التي ليس له دخل فيها؟.. وهل يكون الحساب على مجرد الميول والرغبات أم على الممارسة؟. هل الجنسية المثلية مرض أم انحراف أخلاقي أم اختلاف عن الأعراف السائدة في السلوك الجنسي, أم خيار جنسي شخصي؟. هل هناك علاج حقيقي للجنسية المثلية أم أن المجتمع يكلفنا مالا نطيق دون أن يقدم لنا الحلول والمساعدات؟ كيف تحول الاستثناء إلى وباء؟

فلنبدأ القصة من البداية: يقول تعالى في كتابه الكريم: "وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ* إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ" (الأعراف 80-81).

ورد في تفسير ابن كثير ما يلي: "بعث الله لوطا إلى أهل سدوم وما حولها من القرى يدعوهم إلى الله عز وجل ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التي اخترعوها لم يسبقهم بها أحد من بني آدم ولا غيرهم, وهو إتيان الذكور دون الإناث وهذا شيء لم يكن بنو آدم تعهده ولا تألفه ولا يخطر ببالهم حتى صنع ذلك أهل سدوم... قال عمرو بن دينار في قوله "ما سبقكم بها من أحد من العالمين" قال ما نزا ذكر على ذكر حتى كان قوم لوط, وقال الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي بأني جامع دمشق: لولا أن الله عز وجل قص علينا خبر قوم لوط ما ظننت أن ذكرا يعلو ذكرا ولهذا قال لهم لوط عليه السلام "... أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ* إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ"(الأعراف:80،81), أي عدلتم عن النساء وما خلق لكم ربكم منهن إلى الرجال وهذا إسراف منكم وجهل لأنه وضع الشيء في غير محله ولهذا قال لهم في الآية الأخرى قال "هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين" فأرشدهم إلى نسائهم فاعتذروا إليه بأنهم لا يشتهونهن "قالوا لقد علمت مالنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد" أي لقد علمت أنه لا إرب لنا في النساء ولا إرادة وإنك لتعلم مرادنا من أضيافك, وذكر المفسرون أن الرجال كانوا قد استغنى بعضهم ببعض وكذلك نساؤهم كن قد استغنين بعضهن ببعض أيضا".

ونفهم من هذه الآيات سبق قوم لوط إلى هذا السلوك وأنه لم يكن سلوكا فرديا لديهم بل كان ظاهرة جماعية, والظاهرة لا تعني الحصر أي أنه لا يستطيع أحد أن يقول بأن العلاقات الجنسية في قوم لوط كانت مثلية على الإطلاق وأن العلاقات الغيرية قد توقفت تماما وإلا لما تناسلوا. وقوله تعالى "ما سبقكم بها من أحد من العالمين" قد تفهم على أن ظاهرة الجنسية المثلية لم تكن موجودة قبل قوم لوط, أو أنها كانت موجودة ولكن الحياء العام في ذلك الوقت كان يمنع التصريح بها وبذلك تظل حبيسة القلوب أو الأماكن المغلقة وهذا يجعلها في حدود الاستثناءات الفردية, أو أنها كانت موجودة ولكن لم تكن ظاهرة اجتماعية بهذا الحجم الذي ظهر في قوم لوط, أو أنها كانت موجودة ولكن مستنكرة ومنبوذة وأن قوم لوط أعطوها قبولا وتصريحا في الممارسة فتفشت وانتشرت بشكل وبائي جماعي بحيث تبقى العلاقة الجنسية الغيرية هي الاستثناء.

وقد ساد العرف في قوم لوط بالممارسة المثلية وهذا يتضح في استنكارهم لكلام لوط عليه السلام واعتباره غريبا عليهم وعلى أعرافهم بل ونبذهم له: "وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ" (الأعراف 82).

وواضح أن وباء الجنسية المثلية كان قد تفشى في قوم لوط بشكل لم يعد يجدي معه علاج أو إصلاح, وأن هذا السلوك مضاد للفطرة ومضاد لطبيعة الحياة لذلك حدث استئصال لقوم لوط بعقاب إلهي كما ورد في الآيتين التاليتين: "فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ* وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ" (الأعراف 83-84).

وواضح من الآية أن امرأة لوط لم تكن على عقيدته بل كانت تنتمي إلى عقيدة وعرف من هلكوا, ولم يصرح القرآن إن كانت تمارس ما يمارسون أم لا, ولهذا نقف عند ما تعطيه الآيات من معان دون تجاوز, وهذا من أدب الإسلام حتى مع الهالكين.

وقوله "وأمطرنا عليهم مطرا" مفسر بقوله "وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي لا من الظالمين ببعيد", وقد جرم الله هذا الفعل جل وعلا فقال "فانظر كيف كان عاقبة المجرمين". وقد ذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله إلى أن اللائط يلقى من شاهق ويتبع بالحجارة كما فعل بقوم لوط وذهب آخرون من العلماء إلى أنه يرجم سواء كان محصنا أو غير محصن وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله والحجة ما رواه الإمام أحمد وأبو داوود والترمذي وابن ماجه من حديث الدراوردي عن عمرو بن أبي عمر عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به". وقال آخرون هو كالزاني فإن كان محصنا رجم, وإن لم يكن محصنا جلد مائة جلدة وهو القول الآخر للشافعي (تفسير ابن كثير صفحة 240-241, الجزء الثاني, دار المعرفة بيروت).

ومن الخطأ نسبة هذا الفعل إلى اسم النبي لوط فنقول مثلا "فلان لوطي", وإنما نقول كما قال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم "يعمل عمل قوم لوط", ومن هنا لا يجوز أيضا ربط كلمة "السحاق" بالنبي إسحاق عليه السلام فليس هناك مبرر لغوي أو اصطلاحي أو تاريخي لذلك, فالمعنى اللغوي للفظ سحاق هو البعد, واصطلاحا يعني البعد عن السواء والبعد عن الفطرة السليمة والبعد عن العرف الصحيح. ولم يعرف في التاريخ أي ارتباط بين السحاق والمجتمع الذي عاش فيه النبي إسحاق, وأي ربط لهذا السلوك بالنبي إسحاق عليه السلام يصدر إما عن جهل لغوي وتاريخي أو عن سوء نية بقصد ربط تلك الظواهر الشاذة بأسماء الأنبياء تمهيدا للطعن فيهم في مرحلة تالية أو في جولة لاحقة.

وقصة قوم لوط تعطي درسا مهما, وهو أن القبول الاجتماعي يوسع دائرة الجنسية المثلية ويفتح لها الطريق, ويشجع من لديه بعض الميول الكامنة أن يفصح عنها ويضاعفها, وهذا يؤدي إلى تنشيطها في طرف آخر مقابل سيتعامل معه, وهكذا تسري المثلية كالنار في الهشيم حين لا تجد حواجز تحدها. وإذا كانت هناك نسبة من المثليين مدفوعين برغبات تعود إلى عوامل بيولوجية, فإن هذه النسبة تتضاعف حين يفسح لها المجال للظهور المفاخر والمتباهي في المجتمع بدلا من أن تحاصر كأي انحراف مرضي أو خلقي في حيز ضيق لحين تهذيبها أو تعديلها.

ويبدو أن ما فعله قوم لوط يتكرر في هذا الزمن حيث تبذل جهودا هائلة لجعل الجنسية المثلية سلوكا مقبولا على المستوى الفردي والجماعي, بل قد يتجاوز بعضهم مسألة القبول إلى مسألة الفخر والخروج في مظاهرات علنية تفخر بهذا السلوك. والنتيجة المتوقعة لذلك هو أن تتفشى الرغبات المثلية الكامنة وتتوسع وتتحول إلى ممارسات مثلية يفخر بها صاحبها ويدعو إليها فتزيد مساحة الجنسية المثلية يوما بعد يوم حتى نصل إلى ظاهرة قوم لوط حيث يستغنى الرجال بالرجال وتستغني النساء بالنساء. وربما يقول بعضهم: ولم لا إذا كانت هذه هي خيارات الناس وتفضيلاتهم؟.. ويقول آخر: ولماذا لا تتغير الأعراف والتقاليد فتصبح الخيارات الجنسية كلها مقبولة على أنها تنويعات في السلوك الجنسي لا صلة لها بالدين أو بالأخلاق؟

وقد يروج البعض لمقولة بأن المثليين مثلهم مثل الغيرين لهم حياتهم التي يعيشونها بطريقتهم, وأنهم لو لم يتقبلوا مثليتهم فإنهم سيعيشون في عذاب مستمر.. وأن الحل الوحيد لهم هو أن يتقبلوا سلوكهم الجنسي المثلي ويمارسوه, وأن يسعدوا به ولا يخجلوا منه أو يداروه, فهم قد وجدوا أنفسهم هكذا ولا يملكون تغيير خياراتهم الجنسية.

هذه كلها قفزات خاطئة من الناحية العلمية الموضوعية بعيدا عن المداهنات الاجتماعية والسياسية, فالمثليون ليسوا سعداء حتى وهم يمارسون مثليتهم, وهناك فشل كبير في علاقاتهم, ففي كتاب "التنظيم الاجتماعي للجنس" يتضح أن متوسط عدد الشركاء الجنسيين طوال العمر للأشخاص المثليين 50 شريكا بينما هو للغيريين 4 شركاء فقط, ونسبة الملتزمين بشريك واحد في المثليين أقل من 2% وهي في الغيريين 83,5 %, ونسبة الجنس الشرجي في المثليين 65% وفي الغيريين 9%. ومن المعروف والمؤكد أن هناك علاقة قوية بين زيادة عدد الشركاء الجنسيين وبين الإصابة بالإيدز وسائر الأمراض الجنسية, وهذا أيضا قائم في العلاقات الشرجية. يضاف إلى ذلك كثرة فشل علاقات المثليين وعذاباتهم حتى في المجتمعات التي اعترفت بوجودهم ومنحتهم القبول بكل درجاته بل منحتهم الفخر في كثير من الأحيان.

المثليون بين التثبيت والنكوص
والجنسية المثلية في التفسيرات الدينامية هي تثبيت أو نكوص عند مراحل بدائية في النمو النفسي حيث يحدث تثبيت على المرحلة الشرجية أو الفمية, أو يحدث فشل في تجاوز المرحلة الأدبية, وبهذا يصبح السلوك الجنسي المثلي هو المقابل للعصاب في رأي فرويد- ولكن الفرق بينهما أن العصاب يحتوي كبتا أما الجنسية المثلية ففيها إطلاق للغريزة, ولكن كلاهما يشترك في التثبيت أو النكوص أو عدم النضج. والجنسية المثلية من منظور علاقاتي هي نفي للآخر فالمثلي لا يبحث عن آخر يتكامل معه وإنما يبحث عن ذكورته المفقودة في ذكر مثله أو تبحث عن أنوثتها المفقودة في أنثى مثلها, وهذا يفسر فشل المثليين في الوصول إلى علاقات مشبعة وثابتة لأنهم يجرون وراء سراب, أو كمن يشربون من ماء البحر. وتقول الباحثة "إليزابيث موبرلي" أن سبب عدم مشروعية العلاقات المثلية نابع من كونها في واقع الأمر علاقة جنسية بين أطفال.

وهذا المفهوم يؤكد عدم نضج العلاقات المثلية وعدم قدرتها على منح السعادة أو الطمأنينة لأصحابها حتى في حالة استبعاد المعايير الاجتماعية أو الأخلاقية أو الدينية. والعلاقة المثلية علاقة غير منتجة فهي أقرب للاستمتاع الترفيهي منها إلى علاقات البناء النفسي والأسري والاجتماعي. وهي علاقة أقرب للتملك منها للحب, وليس مستغربا بناءا على ذلك وغيره أن تكثر في المثليين الاضطرابات النفسية وتزيد معدلات الانتحار.

ومتصل الجمالالحب الجنس عند المثلي ليس مكتملا ولا متكاملا, فالمثلى يعشق الصور الجميلة في نظره, والشكل لديه هو الأهم, وهو لا يعرف الحب بمعناه السليم وإنما يعرف الافتتان, وهو لا يمارس الجنس مع آخر مختلف وإنما يمارسه مع نفسه أو صورة نفسه المثالية. ومما يؤكد فشل الحل المثلي أن 67% من المثليين يتحولون إلى السلوك الغيري في مراحل نضجهم والتي تختلف من شخص لآخر, وأن 75% ممن تزوجوا من جنس غيري عبروا عن ارتياحهم للعلاقة الغيرية في الزواج. وبعضهم يتزوج وهو لا يحمل أي رغبة حسية في الشريك الزواجي من الجنس الآخر ولكنه يتزوج بدافع تكوين أسرة وإنجاب أطفال, وشيئا فشيئا تتكون لديه مشاعر معقولة تجاه الجنس الآخر مع تكرار العلاقة الزوجية في جو مفعم بالسكينة والمودة والرحمة.

المرغوبية والمشروعية
وكون المثلي يشعر بميل لا إرادي تجاه مثله لا يعني كون هذا طبيعي, وكونه يشعر بالرغبة في هذا الشيء والارتياح لفعله لا يعطيه مشروعية البقاء, فبالقياس نجد أن المدمن يحب المخدرات والمسكرات ويسعد بتعاطيها وربما لا يسعد بشيء غيرها, والمقامر يجد سعادته في المقامرة, ومع هذا لم يقل أحد بالتسليم لرغبة المدمن أو رغبة المقامر لا لشيء إلا لأن هذه الأشياء حتى وإن كانت ممتعة إلا أنها ضد قوانين الحياة وفطرتها, فهي تهدم ولا تبني وتعزل ولا تتكامل, وهذا نفسه هو شأن الجنسية المثلية. وليسوا فقط المثليين هم المطالبين بضبط غرائزهم وتهذيبها بل كل الناس مطالبين بذلك فالجميع لديهم غرائز جنس وعدوان بدرجات وأشكال متباينة, والحياة السليمة في أي مجتمع تستدعي تنظيم وتهذيب هذه الغرائز بما يخدم حياة الجميع وسعادتهم.

بين الوصم والتباهى
والخطأ يحدث حين يتم وصم المثليين واضطهادهم ونبذهم كما حدث في أمريكا حين أصدر الرئيس الأمريكي إيزنهاور مرسوما سنة 1953 بحرمان أي مثلي أو مثلية من الحصول على وظيفة فيدرالية كما بدأ البوليس يتعقب المثليين ويتحرش بهم وأغار على أحد حاناتهم في نيويورك عام 1969م واندلعت مظاهرات عنيفة عندما بدأ المثليون في الرد على هذه المعاملات القاسية, ومنذ ذلك التاريخ بدأ ظهور الجمعيات التي تدافع عن حقوق المثليين, وكأي جمعيات تنشأ في مثل تلك الظروف الساخنة بالغت تلك الجمعيات في مطالبها وضغوطها على المجتمع الأمريكي وعلى المجتمع الدولي (بحلول سنة 1973 بلغ عدد جمعيات الضغط السياسي للمثليين 800 جمعية وفي سنة 1990 تجاوز الرقم عدة آلاف كلها تضغط للحصول على مكاسب للمثليين), وهذا جعلهم يأخذون موقفا مضادا من المجتمع, وهكذا أصبحت المعركة بين المثليين ومجتمعهم بدلا من أن تصبح بين الجميع وبين الشذوذ أو المرض أو الانحراف الحادث.

فمثلا لا يصح وصم مريض الإيدز أو استبعاده أو اضطهاده, ولكننا نوجه الجهد للإيدز نفسه لمقاومته, ولا يصح أيضا أن نحتفي بالإيدز ونقرر التعايش معه والفخر به, وكذلك الحال في الإدمان والقمار. ويقول الدكتور أوسم وصفي في كتابه الرائع "شفاء الحب": "هذا بالطبع رد فعل مفهوم لكل سلوك مجتمعي يتميز بالوصم والتمييز, فالمشكلة تنبع أساسا من ميلنا البشري للوصم والعزل والتمييز. فالوصم هو نوع من أنواع الخلط بين الإنسان ومرضه أو سلوكه, والنتيجة الطبيعية لهذا الخلط هي العزل والتمييز حيث يقوم المجتمع خوفا من المرض- بمحاربة المريض بدلا من محاربة المرض, وكرد فعل للوصم والعزل والتمييز تتشكل حركات الدفاع والتحرير وتمارس ما يمكن أن نسميه ب "الوصم المضاد" لكونه يتميز أيضا بالخلط بين المريض والمرض, ومن أجل الحفاظ على حقوق المريض يدعو إلى الحفاظ على حقوق المرض".

وقد استطاعت جماعات ضغط المثليين في حذف الجنسية المثلية من الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض النفسية (النسخة الثالثة) ولم يكن ذلك عن قناعة علمية وإنما بسبب ضغوط إعلامية وسياسية جبارة, وقد عبر عن ذلك الدكتور باير في مقال بعنوان "سياسات التشخيص" سنة 1981بقوله: "لم تكن هذه التغيرات (يقصد حذف الجنسية المثلية من قائمة الأمراض واعتبارها اختيارا شخصيا) نابعة من استيعاب الحقائق العلمية التي يمليها المنطق, وإنما على العكس كان هذا العمل مدفوعا بما كان يمليه المزاج الأيديولوجي العام في تلك الحقبة من التاريخ".

وقد ذكرت لجنة الصحة العامة بأكاديمية نيويورك الطبية في تقريرها عن الجنسية المثلية ما يلي: "الجنسية المثلية هي بالفعل مرض.. والمثلي إنسان مضطرب وجدانيا بحيث لم تتطور لديه القدرة الطبيعية لتكوين علاقات مشبعة مع الجنس الآخر... وبعض المثليين قد ذهبوا إلى ما هو أبعد من مجرد الدفاع عن المثلية وهم الآن يحتجون قائلين أن المثلية هي أسلوب محبب ونبيل ومفضل للحياة" (موضوع السياسات الجنسية والمنطق العلمي, في مجلة التاريخ النفسي 10, رقم 5 عام 1992 م صفحة102, نقلا عن كتاب شفاء الحب – دكتور أوسم وصفي).

ولقد كان لحذف الجنسية المثلية من التشخيصات المرضية أثر سلبي فقد توقفت الجهود العلمية لمساعدة المثليين في مواجهة مشكلاتهم الناشئة عن توجهاتهم المثلية, ولم يبقى متاحا للأطباء غير مساعدتهم لتقبل مثليتهم ومساعدتهم على التكيف معها وإقناع المجتمع بقبول السلوك الجنسي المثلي. وهذا وإن كان مقبولا في الغرب بنسب مختلفة إلا أنه غير مقبول في المجتمعات العربية والإسلامية والشرقية بوجه عام والتي لديها قناعات ومعتقدات دينية في اليهودية والمسيحية والإسلام تحرم السلوك الجنسي المثلي, وليس من المتوقع محو هذه المعتقدات لطمأنة المثليين (الذين لا يزيدون عن 3% في المجتمع).

وقد استراح الأطباء لهذا الأمر لما يعانونه من مصاعب في التعامل مع المثليين في الموقف العلاجي, ولما يواجهونه من فشل في هذا المجال, ولكن الواقع يؤكد بأن عدد كبير من المثليين يعانون من مثليتهم بشكل شخصي بعيدا عن أي ضغوط اجتماعية ويبحثون عن علاج لها لدى الأطباء فلا يجدون من يقدم المساعدة, نظرا لخلو المراجع الطبية الغربية من تقنيات علاجية لهذا الأمر ونظرا لاعتياد الأطباء في بلادنا على التطفل على تلك المراجع كمصادر لعملهم دون إبداع حقيقي يضع احتياجات مرضانا بثقافتهم وتوجهاتهم واحتياجاتهم المختلفة في الحسبان. ومن المعروف طبيا أن المثليين نوعين : نوع متوافق مع مثليته ومتقبل له Ego syntonic وهذا لا دخل للأطباء به فهو أصلا لا يأتي إليهم ولا يسألهم مساعدة, ونوع آخر رافض لمثليته ومتألم منها Ego dystonic وهو يأتي بحثا عن المساعدة ويكون في حالة ألم شديد بسبب جنسيته المثلية حتى ولو كانت على مستوى المشاعر الداخلية فهو يشعر أنه يحمل بداخله شعورا مقززا لا يحتمله وبعضهم يصل ألمه ورفضه إلى التفكير في الانتحار, وهذا النوع يحتاج للمساعدة بشدة لأنه يعاني معاناة شديدة.

حقيقة "الولدان المخلدون"
وبخصوص النعيم في الجنة وهل فيها تنعم مثلي أم لا, فإن أمر الجنة هو كما ورد في الآيات والأحاديث "فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر", فالله وحده أعلم كيف يسعد أولياءه وأحباءه, ولا يجوز أن نضع معاييرنا الدنيوية في الجنة, أو نضع تفضيلات قلة من الناس في هذا الأمر (ملحوظة: المثليون يشكلون 2,8% من الذكور و 1,4% من الإناث). وهناك بعض الناس ينحرفون بتفكيرهم في الحديث عن "الغلمان المخلدون" في الجنة بأنهم ينتمون إلى الجنسية المثلية بزعمهم, ولا يوجد نص مقدس في أي دين يؤيد هذا الرأي الشاذ, وكل ما يفهم من وظيفة "الغلمان المخلدون" أنهم خدم في الجنة. ويزيد بعضهم على ذلك بأن العرب مشهورين منذ القدم بعمل قوم لوط أكثر من غيرهم, ولهذا كان الوعد لهم ب "الغلمان المخلدون" حافزا لهم على الإيمان والجهاد للوصول إلى الجنة حيث الولدان المخلدون. وهذا استدلال فاسد, فلم يثبت علميا أن جنس معين لديه ميول جنسية مثلية أكثر من غيره, وإن كانت الظروف الاجتماعية تشكل السلوك الجنسي في اتجاهات معينة, ولم يؤثر عن أحد من الصحابة تفسير "الغلمان المخلدون" بهذا المعنى, ولم يؤثر عن أحد من المؤمنين تمنيه لهذا الأمر بهذا الشكل في الجنة.

عشق الصور وتعلق القلوب

والآيات القرآنية والأحاديث النبوية والتنظيمات الاجتماعية في موضوع الجنسية المثلية تهدف إلى الضبط والتهذيب للغرائز وانحرافاتها, وهذا يقلل من فرص تضخم المشاعر والممارسات المثلية, ولو كانت غير موجودة فلنا أن نتوقع انتشارا وبائيا مثل ما حدث لقوم لوط. وفي التراث الإسلامي الكثير مما كتب في عشق الصور وتأثير ذلك على القلب ثم بيان كيفية الخلاص من عشق الصور حيث أنها تشغل خط الحب الرئيسي المخصص لحب الله سبحانه وتعالى, ويمكن مراجعة ما كتبه أبو حامد الغزالي وابن القيم في هذا الأمر وعلاقته بأمراض القلوب. والمثليون من أكثر الناس ابتلاءا بعشق الصور, فهم بصريون في الأغلب ويتعلقون بالأشخاص ذوي الوسامة الذكورية أو النسائية (حسب جنس العاشق), وهذا التعلق البصري السطحي يجعل المثلي متقلبا ومتعددا في علاقاته العاطفية والجنسية لأن الأشكال تتعدد. وكان عشق المردان نقيصة وعيبا كتب عنه الفقهاء والحكماء وأوردوا الكثير من وسائل تجنبه وعلاجه حتى لا يستحكم بالقلب فيبعده عن محبة الله والتعلق به.

لماذا وكيف؟
ويتساءل بعض المثليين: وما ذنبنا نحن في وجود غرائز في اتجاهات مختلفة عن بقية الناس, وكيف نصرف غرائزنا الجنسية في اتجاهات يرغبها المجتمع ولا نرغبها؟.. وهذا يعيدنا إلى التسليم بحكمة الله وعدله في كل ما خلق وأبدع, فلكل خلق وظيفة وغاية قد نفهمها وقد لا نفهمها, وقياسا على هذا نستطيع استيعاب وقبول خلق الله تعالى لأشخاص معوقين جسديا أو ذهنيا, وللحشرات والوحوش, والزلازل والبراكين والبرق والرعد, وكلها أشياء قد تبدو في ظاهرها بلا جدوى بل قد تبدو ضارة ولكنها حكمة الله في خلق الشيء ونقيضه, وفي بيان القواعد والاستثناءات, وكلها تدخل في باب الابتلاء "ونبلوكم بالشر والخير فتنة", فالأمر لا يقاس بالحياة الدنيا, وإلا اضطرب الفهم, ولكنه يقاس بالوجود الممتد في الدنيا والآخرة وهذا المعنى يتضح بقوة في سورة الكهف حيث تبدو لنا بعض الأشياء في الظاهر بصورة ولكن يكمن ورائها في الخلفية أشياء أخرى لا نعلمها ولكن يعلمها الله, وهنا يصح القول بأن الجنسية المثلية لمن وجدها في نفسه ولم ينشطها أو يستحثها هي ابتلاء, والله يمنح الثواب على الصبر على الابتلاء, ويقدر كل أمر بقدره, ولا شك في عدله ورحمته, فهو الخالق وله الحق أن يبتلي من شاء بما شاء ويحاسب كل شخص على ما فعل في ابتلائه. وليست فقط المثلية هي الابتلاء فالفقر ابتلاء والغنى ابتلاء والنجاح ابتلاء والفشل ابتلاء والصحة ابتلاء والمرض ابتلاء.

وقد يقول قائل: ولماذا تحرم الجنسية المثلية؟.. أليست خيارا في الممارسة الجنسية؟ وما ذنب هؤلاء الذين لا يجدون رغبة في جنس معين؟ ولماذا يجبرون على علاقة جنسية مع جنس يشعرون تجاهه بالبرود وأحيانا بالقرف والاشمئزاز؟... ولماذا تنشأ مشاعر الجنسية المثلية إذا كانت ضد قوانين الإنجاب والتكاثر وضد تكوين الأسرة؟.. والجواب هو أن التحريم لا يقوم على المنطق البشري وإنما يقوم على حكمة وإرادة إلهية, وهذا كان هو الدرس الكوني الأول حين أباح الله لآدم التنعم بكل شيء في الجنة إلا شجرة واحدة حرمها عليه, وقد نسى آدم عهده مع الله, وبدافع الفضول والرغبة في التملك والخلود وبوسوسة من الشيطان ذهب وأكل من الشجرة المحرمة, وربما قال له عقله: وما الفرق بين هذه الشجرة وسائر الأشجار؟... ولماذا تحرم عليّ هذه الشجرة؟؟, ولهذا أكل منها فبدت له سوءته وخرج من الجنة وعلمه الله كلمات ليتوب بها من ذنبه حتى لا تلتصق به الخطيئة وتيئسه من العودة إلى طريق الهداية. هذا الدرس الكوني الأول يعطي معنى للحلال والحرام يتجاوز المنطق البشري, فالخالق هو الذي يحرم ويحلل لحكمة يعلمها والمخلوقين يقولون: سمعنا وأطعنا, ولكن هناك بعض المخلوقين يقولون سمعنا وعصينا, والجزاء يترتب في النهاية على هذه القدرة على التعامل مع القوانين الإلهية.

وإذا كانت وسائل المساعدة للمثليين قاصرة في الوقت الحالي فهذا ليس مبررا لاعتبار المثلية عصية على العلاج فكثير من الاضطرابات والأمراض تأخر اكتشاف علاجها لقرون, وإذا كان الغربيون قد حذفوا الجنسية المثلية من قائمة الاضطرابات النفسية فإن هذا ليس قائما في المجتمعات العربية والإسلامية حيث يعيش الشخص صراعا مريرا مع قيمه الدينية حين يمارس مثليته أو حتى يستشعرها, والشخص في هذا الوضع يمر بابتلاء حقيقي ويحتاج للمساعدة كي يسيطر على تلك الرغبة التي تسكن جوانحه وهو يرفضها أو يتألم منها ولا يستطيع أن يجاهر مجتمعه بها.

ومن المسلم به شرعا أن الإنسان مسئول عن ممارساته, أما ما يحدث على مستوى فكره ومشاعره مما لا سيطرة له عليه فهو في عفو الله والله لا يكلف نفسا إلا وسعها, ولا يجوز للمثلي أن يقول بأنني لا أستطيع التحكم, فالتحكم في الغرائز مطالب به المثلي والغيري على السواء. وأي جهد يبذله المثلي ليعود أو يقترب من الفطرة السليمة هو في المفهوم الديني مجاهدة للنفس يحتسب أجرها عند الله, وأي ألم يتألمه المثلي بسبب رغبة في داخله لا يعرف مصدرها وهي في ذات الوقت تؤلمه أو تشعره بالخزي أو العار هي أيضا في ميزان حسناته حين يضبطها ويسيطر عليها. والجنس في النهاية طاقة تأخذ مسارها حسب الظروف المحيطة بها ويمكن مع الصبر والمثابرة أن تتحول من اتجاهاتها المنحرفة إلى اتجاهات سوية وإيجابية إذا صدقت النية وصح العزم. والاستسلام للمثلية ليس حلا فمن المعروف إحصائيا أن نسبة الاضطرابات النفسية تكون أعلى في المثليين وأيضا نسب الانتحار ونسب الفشل في العلاقات, وهذا يحدث حتى في المجتمعات التي أقرت بالمثلية وقبلتها بل وفاخرت بوجودها.